بكينا جميعاً يوم أتينا إلى الحياة، وصرخنا بأعلى أصواتنا؛ نحن هنا، قد حانت اللحظة!!
وقد كان لبكائنا وقعٌ جميلٌ في داخل كل من ترقب قدومنا، ومن يدري كم تهامسوا بينهم، وتفاءلوا بنا خيراً، ولعله خُيّل إليهم أننا جيلُ الفاتحين، وبأننا الأبطالُ المُنتظرين الذين سيغيرون العالم، فرفعوا أيديهم لنا بالدعاء ألا نخيب ظنونهم...
ولعل كثيراً من زوارنا لم يروا فينا سوى لون البشرة، الطول والوزن، محيط الرأس الحالي، لا أبعاد العقل المُحتملة! فيما كنا نحنُ نواصل البكاء مغيبين عن كل القضايا التي تُطرح حولنا، لاهين بأحلامنا الصغيرة، وخيالاتنا الجميلة، نحاولُ أن نكتشف العالم الجديد، وأن نقارن بين الظلمة القديمة والنور الجديد، نجنّد كل طاقاتنا لنفهم مرحلة النور هذه، القابعة بين ظلمتين، ظلمة ما قبل التعرف إلى الحياة، والظلمة التي تتبع رحلة الإبحار في لجّتها...
اللافتُ في الأمر أن كل من التزم الهدوء والصمت لحظة الميلاد قد تعرض للضرب القلق، حتى يبكي مُرغماً، فقد كان البكاء حينها دليلُ حياة، والصمتُ رهبة وموت، ومؤشر خطر لا محالة.
حين بكينا يومها؛لم يخبرنا أحد حينها أننا سنبكي بعدها كثيراً، وبأننا سنبكي طويلاً، وبأن قطرات شفافة ستهطلُ من عيوننا تُدعى الدموع، سترافقنا في مسيرة حياتنا، وبأن للبكاءِ معاني كثيرة سنتعرف إليها عبر المواقف والتجربة، ستغيرنا، ستجعلنا – ربما- أجمل، أو تزجّ بنا في زنزانة اليائسين المحبطين، لم يخبرونا عن طعم الدموع، حلوها ومرّها، فراتها وأجاجها، لم يطلعونا كم لتلك القطرات من أهمية في جلاء القلوب وغسل الهموم وتجاوز الأزمات والأحزان للانتقال إلى مرحلة العمل للوصول إلى ابتسامة.
تمضي أعوام، وللبكاء في حياتنا مكان لا يمكننا أن نخفيه، حتى وإن توارينا عن أنظار البشر فاحتمى أحدنا بشجرة أو صخرة أو جدار، حتى وإن أقفل على نفسه باب غرفته، أو تظاهر الرمال قد أصابت عينيه رغم أن الطقس صحو، حتى إن تذرع بالتهاب مباغت أو زكام حاد... تبقى الحيلة مكشوفة، وتهمة البكاء ملتصقة به، لا سبيل لأن تخفى، ولا مجال لأن تدفع للتهرب من التحقيق في الدواعي والأسباب، مما يدفع الناس لأن يبكوا أحياناً بلا دموع، فليست كل الدموع صادقة، وليست كل القطرات المنهمرة من العيون بكاء!!
دموع التماسيح تهطلُ بعد التهام الضحية، تشبه شكوى أولئك الذين يسطون على معاني الحُرية، وإن تجسدت في قضية أو شعار، مبدأ أو حقيقة... وإن كانت التماسيح تذرف دمعاً، فمن البشر من لا يكلف نفسه عناء البكاء، لأنه تجاوز مرحلة التساوي بالتماسيح، فتخطاها إلى الأدنى بزمن قياسي... وتلك الفئة تستحق الشفقة، فمن لا يقوى على البكاء لا يملك الشعور أنه من الأحياء...
لغة الدموع هي أسرع اللغات فهماً ووصولاً بين البشر...
فمن ذا الذي يستطيع أن يكبح تعاطفه أمام امرأة ضعيفة؟! ومن يملك ألا يتأثر أمام دموع رجل قوي يبكي وقد ضُربت بدموع الرجال الأمثال... وأي قسوة في قلب من يتجاهل دموع الأطفال؟! ولعل انسكاب عبرة لطفل يعاني من ويلات الحرب أشد تأثيراً من ألف مقال...
وأيّا كانت أسباب البكاء، فإنها تنتهي دوماً إلى ابتسامة، كابتسامة المؤمن الذي يسير في النفق المظلم، يحدوه يقين أن نهايته تفضي إلى النور...
دعونا نبكي لنبحث عن معاني الإنسانية داخلنا، لنقدر تلك الهبة الربانية...
دعونا نستدعي البكاء ليغسل أرواحنا، ويشف نفوسنا، ويفتح نوافذنا بصدق على القلوب...
دعونا لا نخجل إن سالت مدامعنا لأوجاع إخوة لنا في المشرق أو في المغرب، أو ثارت غيرتنا فهببنا لنجدة مظلوم وعجزنا... فلنبكي...
وإن شعرنا بالغربة ولفّنا حنين ليوم القرار، لنبكي عطش أنفسنا وفقرها...
دعونا نبكي ولتسِل دموعنا أنهاراً على عمل لم نتقنه، ووقت لم نثمّنه، وهدف أضعنا، ودرب قويم تُهنا عنه...
ولنمسح دموعنا بعدها ولنبتسم، إن اغتسل القلب قبل العيون، فما أجمل أن نبدأ الحياة بصرخة بكاء تحدونا إلى عمل وجد، لننهيها بابتسامة الرضا، والفرح بيوم الحصاد.
وقد كان لبكائنا وقعٌ جميلٌ في داخل كل من ترقب قدومنا، ومن يدري كم تهامسوا بينهم، وتفاءلوا بنا خيراً، ولعله خُيّل إليهم أننا جيلُ الفاتحين، وبأننا الأبطالُ المُنتظرين الذين سيغيرون العالم، فرفعوا أيديهم لنا بالدعاء ألا نخيب ظنونهم...
ولعل كثيراً من زوارنا لم يروا فينا سوى لون البشرة، الطول والوزن، محيط الرأس الحالي، لا أبعاد العقل المُحتملة! فيما كنا نحنُ نواصل البكاء مغيبين عن كل القضايا التي تُطرح حولنا، لاهين بأحلامنا الصغيرة، وخيالاتنا الجميلة، نحاولُ أن نكتشف العالم الجديد، وأن نقارن بين الظلمة القديمة والنور الجديد، نجنّد كل طاقاتنا لنفهم مرحلة النور هذه، القابعة بين ظلمتين، ظلمة ما قبل التعرف إلى الحياة، والظلمة التي تتبع رحلة الإبحار في لجّتها...
اللافتُ في الأمر أن كل من التزم الهدوء والصمت لحظة الميلاد قد تعرض للضرب القلق، حتى يبكي مُرغماً، فقد كان البكاء حينها دليلُ حياة، والصمتُ رهبة وموت، ومؤشر خطر لا محالة.
حين بكينا يومها؛لم يخبرنا أحد حينها أننا سنبكي بعدها كثيراً، وبأننا سنبكي طويلاً، وبأن قطرات شفافة ستهطلُ من عيوننا تُدعى الدموع، سترافقنا في مسيرة حياتنا، وبأن للبكاءِ معاني كثيرة سنتعرف إليها عبر المواقف والتجربة، ستغيرنا، ستجعلنا – ربما- أجمل، أو تزجّ بنا في زنزانة اليائسين المحبطين، لم يخبرونا عن طعم الدموع، حلوها ومرّها، فراتها وأجاجها، لم يطلعونا كم لتلك القطرات من أهمية في جلاء القلوب وغسل الهموم وتجاوز الأزمات والأحزان للانتقال إلى مرحلة العمل للوصول إلى ابتسامة.
تمضي أعوام، وللبكاء في حياتنا مكان لا يمكننا أن نخفيه، حتى وإن توارينا عن أنظار البشر فاحتمى أحدنا بشجرة أو صخرة أو جدار، حتى وإن أقفل على نفسه باب غرفته، أو تظاهر الرمال قد أصابت عينيه رغم أن الطقس صحو، حتى إن تذرع بالتهاب مباغت أو زكام حاد... تبقى الحيلة مكشوفة، وتهمة البكاء ملتصقة به، لا سبيل لأن تخفى، ولا مجال لأن تدفع للتهرب من التحقيق في الدواعي والأسباب، مما يدفع الناس لأن يبكوا أحياناً بلا دموع، فليست كل الدموع صادقة، وليست كل القطرات المنهمرة من العيون بكاء!!
دموع التماسيح تهطلُ بعد التهام الضحية، تشبه شكوى أولئك الذين يسطون على معاني الحُرية، وإن تجسدت في قضية أو شعار، مبدأ أو حقيقة... وإن كانت التماسيح تذرف دمعاً، فمن البشر من لا يكلف نفسه عناء البكاء، لأنه تجاوز مرحلة التساوي بالتماسيح، فتخطاها إلى الأدنى بزمن قياسي... وتلك الفئة تستحق الشفقة، فمن لا يقوى على البكاء لا يملك الشعور أنه من الأحياء...
لغة الدموع هي أسرع اللغات فهماً ووصولاً بين البشر...
فمن ذا الذي يستطيع أن يكبح تعاطفه أمام امرأة ضعيفة؟! ومن يملك ألا يتأثر أمام دموع رجل قوي يبكي وقد ضُربت بدموع الرجال الأمثال... وأي قسوة في قلب من يتجاهل دموع الأطفال؟! ولعل انسكاب عبرة لطفل يعاني من ويلات الحرب أشد تأثيراً من ألف مقال...
وأيّا كانت أسباب البكاء، فإنها تنتهي دوماً إلى ابتسامة، كابتسامة المؤمن الذي يسير في النفق المظلم، يحدوه يقين أن نهايته تفضي إلى النور...
دعونا نبكي لنبحث عن معاني الإنسانية داخلنا، لنقدر تلك الهبة الربانية...
دعونا نستدعي البكاء ليغسل أرواحنا، ويشف نفوسنا، ويفتح نوافذنا بصدق على القلوب...
دعونا لا نخجل إن سالت مدامعنا لأوجاع إخوة لنا في المشرق أو في المغرب، أو ثارت غيرتنا فهببنا لنجدة مظلوم وعجزنا... فلنبكي...
وإن شعرنا بالغربة ولفّنا حنين ليوم القرار، لنبكي عطش أنفسنا وفقرها...
دعونا نبكي ولتسِل دموعنا أنهاراً على عمل لم نتقنه، ووقت لم نثمّنه، وهدف أضعنا، ودرب قويم تُهنا عنه...
ولنمسح دموعنا بعدها ولنبتسم، إن اغتسل القلب قبل العيون، فما أجمل أن نبدأ الحياة بصرخة بكاء تحدونا إلى عمل وجد، لننهيها بابتسامة الرضا، والفرح بيوم الحصاد.
بقلمـ الأستاذة المبجلة // نُـور الجندلي