اهداءات

جديد المواضيع

شريط الاسلام سؤال وجواب

بلوك وذكر

شريط جديد طريق الاسلام

شريط وذكر

*( علميني قطف الورود )*

وضعت يدي على راحة يديهـا الناعمتين رغم ساعات من العمل الطويل .. شدت قبضتها علي..وابتسمت لي وقالت بهدوء وسكينة ولطف : هيا بنا … 

حملت المفتاح الذهبي الجميل.. الذي طالما شدني إليه ببريقه ولمعانه .. تأملته طويلا وتأملت يدها وهي تحمله برقة ..
مشت بخطوات بطيئة هادئة..حتى لا أتعب .. توقفت أمام الباب..ثم نظرت إلي وناولتني مفتاح الحديقة.. إنها حديقة جميلة..لكم تعبت أمي في زراعتها وتجميلها..ولطالما حدقت بي وقالت أن هذه الحديقة ستصير لي ولأبنائي من بعدي ..
وضعت المفتاح في ثقبه ..وأدرته فلم أقدر على فتحه.. فمدت يدها بلطف لتفتحه .. ففُتح الباب .. 


دخلت إلى الحديقة .. فتسللت يدي من بين أناملها الناعمة لأجري بحريّة وأشعر بأني طائر صغير..أو لربما فراشة جميلة ..
أما هي ..فتقدمت بخطواتها المعتادة .. وجلست على الكرسي الخشبي المنزوي تحت أكبر أشجار الحديقة..وأكثرها ظلا ..وأكرمها بالثمار وأجودها نوعا.. وانتظرتني .. وأخذت تداعب الزهور الكثيرة .. استوقفتني للحظة عندما رأيتها تمد يدهـا بكل لطف لتقطف وردة حمراء جميلة .. اختارتها من بين كل تلك الأزهار أمامهـا..
أدهشني منظر التفاف الفراشات حولها بعد أن قطفتها…وأخذت العصافير تزقزق بقوة..ولا أعلم ..أإحتجاجاً لعمل أمي أم فرحا وطربا ..!!؟ ... وعلا صوتها حتى أزعجتني فقررت إنهاء الامر بإطلاق صرخة عالية لتخيفها .. فصمتت .. وهبت نسمة باردة فشعرت بالرعشة.. ورأيت الغبار يتطاير من حولي ..وأوراق الشجر تتطاير بقوة حول أمي.. فجريت ببعض القلق لأرمي بنفسي إلى حضنها .. أغمضت عيني..هدأ الأمر وعادت الطيور لزقزقتها اللطيفة ..وعاودت الفراشات التنقل بين الورود الجميلة.. نظرت أمي إلي.. ابتسمت وأجلستني إلى جانبها.. وأدخلت الوردة بداخل الكتاب الذي مُزقت بعض من أوراقه وقد ملأه الغبار .. فأخذت أحدق بدهشة إلى يدها .. وأسأل نفسي: ألا تحب أمي الورود ؟ .. مالذي جرى ؟ .. لم قررت إعدام تلك الوردة المسكينة بوضعها داخل الكتاب ؟؟! ..
ابتسمت أمي ..ووضعت يدها على كتفي وحملقت طويلا إلى سرب الطيور المهاجر .. فرأيت أشعة الشمس التي أوشكت على الغروب..تتسلل إلى عينيها بهدوء لتزيدها حسنا وجمالا .. ورأيت الهواء العليل يلاعب خصلات من شعرها قد تدلت من تحت الحجاب الزهري .. نظرت إلى أمي .. وكأنني أراها عروسا بين الزهور والطيور .. وضعت يدي بيدها وابتسمت لها .. ثم نهضت من مكاني ومددت يدي نحو الورود .. لكنني فوجئت بالأشواك تخدش جلد يدي.. فسحبت يدي بسرعة لأرى أن الدم يلطخها .. جريت إلى أمي بسرعة .. وأريتها الجرح فأخرجت منديلا أبيض رائع .. ومررته بلطف على الجرح بعد أن بللته بالماء .. شعرت براحة .. فقلت لأمي :
- وخزتني الأشواك بينما كنت أحاول أن أقطف لك وردة ..!!
ابتسمت كعادتها ولم تنطق بشيء..فلم أعلم ما إن أزعجها ذلك أم لا .. نظرت إليها لوهلة ..ثم نظرت إلى حيث وضعت الوردة بداخل الكتاب ثم قلت :
- أمي .. علميني قطف الورود ..!! ..
قلت هذا لأني دهشت من كونها قد قطفت وردة بكل مهارة..دون أن يشوه يدها وخز الشوك فيها ... فقالت أمي بعد صمت طويل :
سهل أن تقطفها من الحديقة .. لكن صعب أن تقطفها من أي مكان آخر ..
نظرت إليها بشوق إلى حروفها المتتابعة .. قالت لي :
الحياة مليئة بالورود .. لكن كما رأيت .. فمع كل وردة أشواك ..
أمسكت يدي ونظرت إلى حيث الجرح .. ثم أردفت قائلة :
وأنت قد حاولت أن تقطف وردة. . لكن الشوك قد آذاك .. فكذا حالك إن خرجت إلى الدنيا بلا علم ولا فهم ... ! .. سيؤذيك الشوك بلا شك .. وستعود كما عدت لي .. إلى أي شخص تثق به ليضمد لك جرحك ...
نظرت إلى أمي... واختلطت بي بعض الأمور ..منها ما فهمتها ومنها ما عجزت عن فهمه كليّا ..وشككت في كوني سأفهمه يوما ..!!
تابعت أمي حديثها وأنا أمسك بيدها وأسند رأسي على كتفها الذي أخفضته لي :
لكن يا بني .. لا تمضي في الدنيا بتسرع تقطف من حيث تشاء..وأنت واثق بأن الشخص الذي تثق به ..بجوارك دائما .. فلربما ابتعد عنك بعيدا .. ولم تتمكن من أن تجد غيره ..
يا بني ..لا أقصد بأن الأخيار معدومون من العالم إلا من تحصيهم بأنامل يدك .. لكنهم موجودون كاللآلئ في أصدافها .. صعب أن تجدها إلا إذا غصت باحثا عنها ..
تعلم أن تقطف الورد الأقل شوكا .. والأكثر نضارة وتفتحا .. ولا تبتئس ما إذا جرحت به ..فالجرح مع الأيام يبرئ ! ..
لكن إن قطفت وردة من مكان كذا .. وجرحت جرحا عميقا يصعب أن تضمده .. فحذار من العودة إلى حيث قطفتها مرة أخرى . . وابحث عن غيرها ..
صمتت أمي .. وشعرت أن وراء الصمت كلام .. لا يريد أن يخرج.. ربما خوفا علي من ثقله .. أو اختبارا لي لأعرفه وحدي .. أو لأن الموضوع لا يستحق أكثر ..
أشارت أمي إلى جرحي وقالت :
لا تحفر الجرح في ذاكرتك .. بل احفظ الدرس الذي تعلمته منه ..
ابتسمت إلى أمي .. وشعرت للوهلة الأولى بأني قد كبرت قليلا .. أسرعت إلى الورود .. ومددت يدي بحذر شديد .. أخذت أغوص بين الشوك .. حتى نجحت باقتلاع وردة ضخمة من جذورها .. فأغمضت عينيّ بعد أن سحبت يدي .. وفتحتها ببطء ونظرت بقلق إلى يدي .. هل من جروح ؟؟!
لا .. مجرد تراب متناثر بين أصابعي .. ابتسمت لأمي وأهديتها الوردة ... وقلت لهـا .:
شكرا يا أمي.. أنا الآن قادر على قطف الورود ..!!! :)